Nov 29, 2009

التدوين السياسي....حزب لا الالكتروني (1)

ربما لا يمكن لاي متابع للاحوال السياسية العربية عموما والمصرية بالاخص ان يتجاهل ذلك الدور المتفرد الذي اصبحت تلعبه المدونات الالكترونية في السنوات الاخيرة , كوسيلة تعبير معاصرة تسهم بدور متزايد سواء في توعية الراي العام او في تعرية النظم السياسية العربية على المستويين الداخلي و الخارجي , حيث وضح استحالة تجنب الاشارة لدور المدونات و المقالات الالكترونية او اهماله.
تجاوز الدور و ربما الادوار التي تقوم بها الشبكة الالكترونية مجرد مشاركة الاراء و الافكار السياسية الى اقصى حدود الدعاية و الممارسة السياسية , مما - في تقديري المتواضع - قد ينطبق عليه وصف الظاهرة الاجتماعية و السياسية . حيث مست ظاهرة اللجوء الالكتروني هذه - ان جاز التعبير - وفعلت دور ذلك القطاع الاجتماعي العريض الذي هو الشباب , ذلك الغائب الحاضر في الحياة السياسية المصرية , حيث يبقى الشباب الفاعل الاكثر ظهورا و اثرا في عالم الشبكة ويرجع هذا لاسباب واقعية منها ان الشباب هو الفئة الاكثر ميلا لاستخدام تكنولوجيا العصر و بخاصة شبكة الانترنت اذا ما قورن بفئة كبار و متوسطي العمر , بالاضافة لاسباب اخرى ربما تميز الشباب العربي او الشرق اوسطي كتفشي البطالة و الفراغ و الاستبعاد السياسي على سبيل المثال .
وفر التدوين السياسي ساحة سياسية موازية ومنافسة للساحة السياسية التقليدية في مصر , خاصة مع المصداقية و تجريف هذه الساحة من اهم قيمها و عناصرها و الياتها الديموقراطية من تحديد و تقليص الاليات الحقيقية المتاحة للتعبير و المشاركة و الحراك السياسي و عناصر اخرى كثيره لا يتسع المجال لسردها .
فبرغم كل الصخب و الزوابع التي تشهدها الحياة السياسية المصرية في الوقت الراهن الا انها لم تتجاوز فنجان الحكومة و اجهزتها طالما المجتمع شريك مهمش وغير مؤثر في جدالات و خطط الحكومة حيث دخل الشعب في عقد مع السلطة كرس وضع مقلوب لا يتعدى الشعب فيه كونه ليس اكثر من سلطة رمزية تملك و لا تحكم بينما هناك فئة قليلة تحتكر السلطة و تضيق حجم الساحة السياسية لحدها الادنى , لعدم الرغبة او بالاحرى لعدم قدرة هذه الفئة المحتكرة علي اتاحة المشاركة و من ثم المنافسة مع بقية جماعات المجتمع السياسية , فتم تهميش بقية المجتمع من قبل النخبة مما نتج عنه الوصول لحالة الفراغ الهائلة التي تشهدها الساحة السياسية المصرية في ظل غياب ادوار حيوية كدور الشباب و المؤسسات و الاحزاب الحقيقية المعبرة عن المجتمع باطيافه .
هذا الفراغ السياسي و احتكار فئة محدودة للسلطة مع تزايد الامتعاض و المعارضة المجتمعية للحكومة ربما كان السبب الرئيسي الذي دفع بالشباب بصفته اكثر الفئات الاجتماعية المهمشة تضررا الى خلق ساحة سياسية افتراضية لممارسة حقوقهم السياسية في المشاركة و النقاش و المعارضة و يسبق كل هذا تقديم حلول و مقترحات و اجندة للاصلاح السياسي , و مؤكد ان غياب تلك السلطة المحتكرة للقرار عن هذه الساحة الافتراضية كان له ابلغ تاثير علي درجة ليبرالية هذه الساحة و كونها ساحة مفتوحة لكل الاطياف بل والافراد , كل هذا ساهم في انتشار و تزايد تاثير هذه الساحة السياسية الافتراضية .
الا انه خلال الفترة الاخيرة منذ العام 2007 تقريبا فان تلك الساحة السياسية الالكترونية ممثلة في التدوين السياسي كاحد ابرز مكوناتها قد تجاوزت سقف حرية التعبير الى حد المشاركة و الممارسة و الضغط المؤثر مما جعلها الد خصوم السلطة في مصر , فقد تجاوز دور المدون مجرد التعبير عن رايه او امتعاضه الشخصي من ممارسات السلطة او سياساتها الى حد تعبئة المجتمع والنزول للشارع " اضراب 6 ابريل نموذجا " و تنظيم ودفع انشطة و مظاهرات و اضرابات في وجه السلطة , تجاوز تاثير المدون دائرته الاجتماعية الضيقة كالزملاء والاصدقاء الى التاثير في المجتمع ككل ,باختصار رصدت سيرة التدوين السياسي الالكتروني بداية النمو و التطور والوعي السياسي لدى الشباب المصري بمشاكلهم الحقيقية , وشكلت شبكة الانترنت بتو اصليتها ونفاذيتها العالية بالاضافة لقيمها الليبرالية بطبيعتها منافسا شرسا للسلطة التقليدية و بخاصة القمعية منها , وبات للمدون السياسي دورا اجتماعيا فاق في كثير من الاحيان دور سياسيون نافذين و كسر احتكار السلطة التقليدية للاعلام و قيمة التوجيه السياسي .
من المؤكد انه يصعب رصد و تحليل كافة معالم هذه الظاهرة او هذا العالم السياسي الالكتروني بمجموعاته و اهدافه المتنوعة و المتباينة , لذا فقد اقتصر هذا الرصد علي تيارات الاعتراض السياسي علي الشبكة بشكل عام في محاولة للاجابة على ذلك السؤال المحير متى و كيف تم هذا التسرب السياسي الالكتروني ؟ و ماذا قد تكون اثاره مستقبلا؟.
الا انه ينبغي الاشارة مرة اخري لعمومية المقال و ذلك لعدم توفر المادة العلمية او التوثيقية الدقيقة حول الموضوع - أو على الاقل لدي - بالاضافة لحداثة الظاهرة بمقياس الزمن مما ينعكس علي عدد و حجم الادبيات المتعلقة بظاهرة التدوين السياسي , و عليه فهذا المقال لا يعدو كونه طرقا اوليا لظاهرة جذبت انتباه الكثيرين ومنهم صاحب المقال و اثار اهتمامه مدى حجم الظاهرة و هو بصدد اعداد مدونته الاولى " على قهوة مصر" , حيث وضحت اهمية الساحة السياسية الالكترونية كاحد الساحات الموازية parallel political arena لما هو في ارض الواقع اوكما سبق و اوضحنا عالم مواز بصراعاته العرقية و الدينية او بخدماته و سوقه .....و تماثلات اخرى كثيرة.
الا ان هذا العالم الافتراضي ربما يعبر عن قيمة انسانية رفيعة - ومنبوذة للاسف في منطفتنا - وهي الحرية في افضل صورها و اكثرها قربا للمثالية وهي الديموقراطية المباشرة , حيث لكل فرد صوت في هذا العالم المواز بدون سلطة او رقابة تحتكر الحقائق المطلقة وذلك الى حد كبير ان اعترفنا ان نفوذ الواقع له تاثيره الغير مباشر في هذا العالم و لكن بصورة اقل حجماً في عالم الشبكة بتنافسيته الاكثر عدالة , مما يمكن مدون شاب او مجموعة من ان تهز نظام سياسي او احد اجهزته القوية على سبيل المثال و هذا ما حدث و تكرر كثيرا . في السطور التالية سنتطرق باقتضاب لظاهرة التدوين السياسي و سنحاول ملاحقتها زمنيا و تفكيكها بعض الشيء للاجابة علي الاسئلة التي طرحناها سابقا
اولا : تاريخ التدوين ...ميلاد غير ملحوظ
المدونات الشخصية هي اختصار لعبارة Web blog اي الوصول للشبكة , يصعب في الحقيقة تحديد تاريخ موثق و متفق عليه حول متى بدات اول مدونة بالشكل الحالي حيث ان فكرة مشاركة الافكار و الاراء الشخصية سبقت بكثير ظهور المدونات الشخصية في شكلها الحالي فالمجموعات البريدية للافراد حملت مضمون التدوين في شكله البسيط او البدائي ,الا انه وفقا لاغلب الاراء فانه يمكن القول ان الموقع Justin Hall الذي اطلقه على الشبكة احد طلاب كلية Swarthmote في يناير 1994بمثابة النواة الاولى الواضحة للمدونة ,الى ان ظهرت التسمية المميزة web blog في ديسمبر 1997 على يد المدون Jorn Bargo و ظهرت في نفس الوقت خدمات التدوين و استضافة المدونين مثل Xanga و Open Diary ثم Parya Lab في 1999 و الاخيرة اشترتها Geogle لاحقاً , اختصرت الكلمة الى Blog على يد المبرمج الامريكي المعروف Peter Merhol , يمكن القول ان الفترة من 1994 الى 1999 تمثل فترة النشوء و التكون العالمي للتدوين و غلب عليها الطابع الشخصي لحد بعيد .
بدات تلك الوسيلة الجديدة او المدونة تحوز فالية و تاثير واضح من العام 2001 خاصة خلال و عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة ثم الحرب على العراق فيما بعد ,حيث شهدت تلك الفترة بدايات التاثير و الاستخدام السياسي للمدونات في الولايات المتحدة مما حدا بالسيناتور Trent Lott للاستقالة من منصبه كزعيم للاغلبية في الكونجرس تحت وطأة اتهام مدونين له باصدار تعليقات عنصرية . يتضح ان التدوين الذي بدا من الغرب مر بمراحل عدة حتى الا و يمكن تقسيمها كالتالي
1994 : 1997 مرحلة النشوء و التكون و غلب عليها طابع التدوين و التعليق الشخصي
1997 : 2000 مرحلة التشكل او تنظيم التدوين باعتباره شكلا جديدا و متميزا للتفاعل الالكتروني و بدء انطلاق المدونات في شكلها الحالي و مواقع الاستضافة المتخصصة في المدونات
2000 : 2004 مرحلة العبور الى المجتمع من المدونة الشخصية البحتة الى المدونة ذات الطابع السياسي و بدء اكتشاف التدوين كوسيلة تعبير سياسية , و هذا ما سيدعم انتشار التدوين عربيا كما سنرى فيما بعد
2004 والى الان مرحلة الانتشار و تنامي المدونات " بعض التقديرات على مواقع الاستضافة العالمية تصل بعدد المدونات الى خمسة ملايين مدونة يتم انشاءها سنوياً".
المدونون العرب : لا يمكن تحديد تاريخ بدء المدونات العربية في الظهور ربما كانعكاس لحالة غياب التوثيق لتاريخ التدوين على المستوى العالمي , الا ان اغلب الاراء تذهب الى ان التدوين العربي بدء مع حرب العراق على نطاق ضيق للغاية و يذكر ان اول مدونة معروفة لعربي كانت لشاب عراقي مجهول و هي Salam Pax و كانت باللغة الانجليزية ترجع شهرتها حينها لانها اجتذبت عدد كبير من القراء في الغرب خلال الحرب على العراق 2003 . ان ذلك التطور الذي حدث علي فكرة التدوين في الغرب بدء من 2001 و الانتقال الي التدوين كوسيلة تعبير سياسية مؤثرة كان له دور بالغ في نقل هذه الفكرة الى الشباب العربي المثقف و المهموم بالقضايا السياسية الداخلية او الاقليمية في العالم العربي بما يوفرة الشكل السياسي المستجد علي التدوين من ثقب او وسيلة تتيح العبور من سيطرة الدولة و رقابتها .
يقدر تقرير المبادرة العربية لانترنت حر رقما نسبيا - غير مدقق علميا - لعدد المدونات ‏العربية سنة 2006 ب 40 ألف مدونة ,بينما تقدر مواقع عربية ‏أخرى عدد المدونات العربية اليوم بأكثر من مليون ونصف مدونة حتى نهاية العام ‏‏2008م , بما نسبته ‏التقديرية من 7 – 9 % من المدونات العالمية. تتعدد المجالات التي يهتم بها المدونون العرب و على راسهم المصريون باعتبارهم الاكثر تدوينا , الا ان المدونات السياسية ربما تبقى الاشهر و الاكثر تاثيرا بين المدونات العربية رغم ان هناك مدونات ادبية تتفوق بصورة كبيرة في محتواها عن الكثير من الادب المنشور . مما لا شك فيه ان حالة اللامركزية و غياب سلطة الدولة علي المدونين في بدايات التدوين تمثل الاجابة الاكثر منطقية التي تفسر انتشار التدوين السياسي في العالم العربي مع غياب حرية التعبير بصورة كبيرة . فمنذ 2003 بدا الاحتكاك العربي بالتدوين خاصة مع بداية المزج بين الشخصي و السياسي في المدونات الغربية مما مثل عامل جذب للشباب العربي , ثم من 2005 بدا الاسهام الخجول للعرب في التدوين حتى 2006 حين بدات ظاهرة التدوين في الانتشار عربيا بصورة ملحوظة و ساهم الاهتمام العالمي بالمدونين العرب في دعم هذا الانتشار , الا انه لا يمكن اغفال حقيقة ان المدونون العرب و بالاخص المدونون المصريون اجادوا توظيف التدوين السياسي لاحداث تاثير كانت له انعكاساته داخليا ودوليا........ يتبع ان شاء الله

No comments:

Post a Comment