Nov 6, 2009

حزب الله ....إقليم متغير و دور متغير




أثارت أزمة ضبط خلية تنظيمية تابعة لحزب الله تعمل في الأراضي المصرية قضايا عدة , و انطلاقا من تلك المقولة التي ترى أن الأزمة وفقا لطبيعتها تمثل نقطة مفصلية و بيئة خصبة لرصد التفاعلات السياسية ,بما توفره الأزمة بطبيعتها من كثافة و تسارع و وضوح التفاعلات , والتي تساعد الباحث علي رصد و تقييم الظاهرة بصورة أكثر دقة , و دون التطرق لتفاصيل الأزمة بين مصر و حزب الله بحد ذاتها و إنما ما تعكسه هذه الأزمة و أزمات مشابهة من تغيرات ملموسة في سياسة حزب الله الخارجية –إن جاز التعبير-و في تعاطي الحزب ممثلا في أمينه العام مع عدة ملفات و أطراف عربية و إقليمية و الانتقال من حركة المقاومة الوطنية المسلحة و المراقب الحذر للتفاعلات الإقليمية إلي مرحلة اللاعب المؤثر إقليميا خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في 2000 و الدور البارز الذي لعبه الحزب في هذا الانسحاب. و أضحت هذه التغيرات أكثر وضوحا خلال أزمتي الاعتداء الإسرائيلي علي لبنان 2006 و غزة 2008 و اللتان عكستا فيما عكستا أزمات أعمق تعاني منها المنطقة مما يعطي الانطباع أن التأزم هو الملمح الأكثر تمييزا للنظام الإقليمي العربي .


يحاول هذا التقرير في سطوره التالية رصد تلك التغيرات التي طرأت علي دور حزب الله الخارجي في ضوء الحاجة لإعادة تقييم هذا الدور و تأثيره علي استقرار المنطقة و كمدخل لتفسير تحولات إقليمية أعمق تلت الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان , و في محاولة لإعادة الإجابة علي أسئلة قديمة تزداد إلحاحا يوما بعد الآخر تتعلق بأجندة الحزب الخارجية و تحالفاته و تطلعاته, و علي هذا فلن يتم التطرق لدور الحزب لبنانيا قدر الممكن إلا في سياق الإجابة علي هذا التساؤل. قد يكون من المهم توضيح صعوبة الاستفادة من اقتراب صناعة القرار لفهم القرار الخارجي للحزب تجاه الفاعلين الآخرين و ذلك لأسباب بنيوية تتعلق بالطبيعة السرية للهيكل التنظيمي للحزب و آلية صنع القرار داخله مع وجود الكثير من الأهداف و المصالح الغير معلنة لأسباب سياسية أو أمنية, لذا سنعتمد علي منهج الأدوار كوسيلة تحليل أساسية . يسعي هذا التحليل إلي اختبار بعض الفرضيات يمكن إيجازها في الأتي:-
1- تغيرت أهداف و سياسات الحزب بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ,خاصة ما فرضه هذا الانسحاب من ضغوط و تحديات علي وجود الحزب ذاته كحركة مقاومة للاحتلال
2- هناك علاقة طردية بين تزايد قدرات الحزب التعبوية و الدعائية بعد الانسحاب الإسرائيلي و بين كثافة و قوة الأدوار التي يقوم بها الحزب إقليميا ,أيضا كثافة الاستخدام الإعلامي كآلية توظيف للنصر العسكري لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية و في بعض الأحيان كوسيلة ضغط علي الخصوم
3- أثرت تحالفات الحزب الرئيسية خاصة تلك التي تربطه بإيران علي درجة قبول الفاعلين الدوليين و الإقليمين لدوره المتنامي خاصة في بيئة إقليمية هي بالأساس تشهد حالة تعارض ادوار و مصالح
4- شهدت المنطقة تحولات بنيوية واسعة و تغيرات في موازيين القوي حيث برزت ادوار إقليمية عربية و غير عربية تسعي للقيام بادوار أوسع, أيضا بروز دور الفاعلين من دون الدول"حركات مسلحة أو حركات مقاومة ,تزامن ذلك مع انسحاب ادوار تقليدية .دعمت هذه التحولات من فرص الحزب لتجديد دوره .
البيئة الدولية الجديدة:- ربما تكون تلك الأحداث الكبرى التي عقبت أحداث 11 سبتمبر مؤشرا عمليا يؤرخ لبداية نظام عالمي جديد إن لم يكن في بنائه فلا جدال أن التغير طال ملامحه كنظام غلب عليه الطابع الصراعي ثقافيا وعسكريا ,و لفهم تلك التغيرات في دور حزب الله فانه من الضروري إيجاز التغيرات المهمة في بيئته المحيطة دولياً و إقليميا(1)



فعلي المستوى الدولي :- حددت إدارة الرئيس الأمريكي بوش أهدافا إستراتيجية جديدة لسياستها الخارجية في أعقاب 11 سبتمبر تمثلت في الحرب علي الإرهاب ثم نشر الديمقراطية في وقت لاحق . ومن ثم وجهت الولايات المتحدة طاقتها لبناء تحالف في حربها علي الإرهاب , و بدأت الولايات المتحدة تنفيذ إستراتيجيتها الجديدة بوضع مجموعة من الأنظمة و الحركات المسلحة في قائمة أعدائها مما أدي لحالة استقطاب دولي بين الولايات المتحدة و خصومها و معارضي سياستها الجديدة . و قد كان لوضع الولايات المتحدة لأنظمة إسلامية و لحركات مسلحة- تأخذ الإسلام غطاء شرعيا لها- دورا بالغاً في زيادة حدة هذا الاستقطاب و عزلة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي الذي شعرت شعوبه انه المستهدف الأول من السياسة الأمريكية الجديدة هو ما أذكته الأنظمة العربية كأداة ضغط في مواجهة مطالب و ضغوط أمريكية فيما يتعلق بالديمقراطية و حقوق الإنسان مثلت تهديداً امنيا و سياسيا لهذه النخب حيث تزامن هذا الاستقطاب مع ضغوط أمريكية علي حلفائها في المنطقة العربية مما افرز حالة تعارض و في بعض الأحيان تضارب مصالح مع السياسات الأمريكية الجديدة بالإضافة لما نتج عن هذه السياسات من صعود للتيارات و الحركات الإسلامية(2) , بالإضافة لملاحظة جديرة بالاهتمام و هي اعتماد الولايات المتحدة علي الوسائل العسكرية بصورة كبيرة كأداة لتنفيذ سياستها الخارجية في العالم مما افرز خلافات علنية مع حلفائها الأوروبيين بالإضافة للضغوط الداخلية من المجتمع الأمريكي . أفرزت تلك السياسات نظاما دوليا أكثر توترا بالأخص في منطقة الشرق الأوسط .أسفر هذا عن تزايد عدد و حجم الصراعات و الجماعات المسلحة المعادية للولايات المتحدة أو حلفائها في أكثر من منطقة مما ابرز ما يمكن تسميته ببوادر خلل بنيوي في النظام العالمي ربما قد يهدد مستقبلاً وضع الولايات المتحدة كمهيمن و قطب وحيد كحصاد مستقبلي لزرع الحاضر.



إما إقليميا فانه مع ميل الإدارة الأمريكية السابقة للحلول العنيفة أو لتكريس حالة فوضى خلاقة –كما سمتها-, و استخدامها لأداة الضغوط السياسية و العسكرية و الاقتصادية بكثافة علي حساب الحلول التفاوضية ,أدي هذا لتعميق الخلافات مع الولايات المتحدة . ربما يكون غزو العراق تحديدا احد دلائل تغير الحسابات الأمريكية في الشرق الأوسط ,حيث أدت سياسة الولايات المتحدة إلي عملية خلخلة واضحة لبنية هذا النظام الإقليمي العربي(3) و ازدياد قابليته للاختراق من فاعلين دوليين آخرين و ذلك مع غياب أي إدراك أو سياسات مشتركة تجمع أطراف هذا النظام فيما يتعلق بأمنه و ضعف و تلاشي دور مؤسسته الإقليمية " جامعة الدول العربية". تعاملت القوي الكبرى مع المنطقة العربية في إطار أوسع بتأسيس مفهوم الشرق الأوسط والذي لم يضف فقط أطرافا و أهدافا لم تكن ماثلة بقوة في قضايا المنطقة و إنما مشكلات و نزاعات جديدة علي الإقليم.


تزامن مع هذا استمرار حالة الجمود في عملية السلام علي مساريها الفلسطيني و السوري فيما بدا أن هذه العملية ظلت على هامش الإستراتيجية الأمريكية لإدارة بوش, أدي هذا بالضرورة إلي حالة فراغ حادة نتجت عن انسحاب الدور الأمريكي و هو ما نتج عنه بروز فاعلين آخرين سواء دوليين أو من دون الدول يسعون للقيام بدور في هذه القضية بوسائل و أهداف تختلف و غالباً تتعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة , احد تداعيات ما سبق بروز الدور الإيراني في المنطقة وقضاياها خاصة مع تصاعدا الأزمة مع إيران حول برنامجها النووي .كما صعد الدور السوري بغير معزل عن الدور الإيراني في تحالف أثمر ايجابيا علي كليهما.صاحبت هذه التحولات خلل في موازيين القوي لغير صالح القوي المحورية التقليدية في النظام العربي كمصر نتج عنه حالة انسحاب و تراجع في أدوارها التقليدية في الإقليم مع تفاقم الأزمات الداخلية في هذه الدول بين اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية مما أعطي مساحة اكبر لتطلعات بعض دول الأطراف كقطر و الإمارات للاستحواذ علي ادوار اكبر في قضايا المنطقة خاصة القضية الفلسطينية . إلا أن الملاحظة الأكثر أهمية هي بروز دور الفاعلين من دون الدول من جماعات و حركات مسلحة بصورة بالغة الوضوح سواء في فلسطين و لبنان و العراق و السودان و اليمن و التي امتد تأثير بعضها للمستوي الإقليمي. أدت التغيرات السالفة مع سيادة سياسة المحاور و الانقسامات في المنطقة و من ثم كثافة المواجهات و الصدامات إلي حالة اضطراب إقليمي حفزت و ربما تفسر مراحل التغير الذي طرأ علي الدور الخارجي لحزب الله كما سيتضح في السطور التالية
مرحلة صناعة الدور و تطويره الفترة من 1982 إلي 2003 :
سبق الوجود التنظيمي لحزب الله ذلك الجهد الذي بذله بعض القيادات الدينية الشيعية لتحسين وضع شيعة لبنان علي الخارطة السياسية و التنموية للبنان نظرا للتهميش الملحوظ الذي عاني منه شيعة لبنان لعقود و بخاصة شيعة الجنوب(4) مما الهم الكثير من الشباب الشيعي و بالأخص شباب رجال الدين. سبق الظهور السياسي العلني للحزب عام 1985 حركة مقاومة إسلامية مسلحة لمقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان في نفس العام و استلهمت المقاومة إطارها الأيديولوجي من الثورة الإسلامية في إيران 1979و التي دعمت المقاومة لوجيستياً في مهدها و لشعبية الحركات الشيعية الاجتماعية التي اشرنا إليها سابقا كحركة المحرومين دورا بالغا في الدعم الشعبي الذي لاقاه الحزب في مراحله الأولي خاصة في أوساط الشباب الشيعي(5). .قامت المقاومة بعدة عمليات استهدفت القوات الإسرائيلية و المصالح الأمريكية بلبنان كان أبرزها تدمير مقر قوات المار ينز عام 1983. بعد تبلور المقاومة ككيان له خصوصية أتي إعلان تأسيس حزب الله كجناح سياسي للمقاومة في 1985. استطاع الحزب منذ أعوامه الأولي التوفيق بين العسكري و الاجتماعي في نشاطاته حيث بدأ في تقديم خدمات اجتماعية و أنشطة تنموية للأهالي و اسر مقاتليه و شهداءه عبر مجموعة من المؤسسات الاجتماعية و الخدمية التابعة للحزب في خط مواز لنشاطه المسلح في إطار مواجهة الأضرار المادية و النفسية الناتجة عن المواجهة مع إسرائيل(6) ,وكان لهذا أثره الواضح علي قدرة الحزب علي الاستمرار و ضمان تواصل العم الشعبي له و هو ربما الدرس الذي لم تستفد منه المقاومة الفلسطينية . لم تكد تنتهي الثمانينات إلا و كان الحزب رسخ مكانته مادياً و عسكرياً و تنظيمياً و تزايد الدعم الإيراني للحزب عبر التدريب العسكري والتسليح و الدعم المادي و المالي , كما وفر التحالف السوري الإيراني دعما سياسيا و معنويا للحزب وان حدث تعارض أحيانا بين الرؤية السورية و الإيرانية في الشأن اللبناني إلا أن الحزب تعاطي بفعالية مع هذه الأزمات.و يلاحظ انه خلال فترة صناعة الدور هذه نأى الحزب بنفسه –قدر الممكن-عن التورط في الصراعات اللبنانية الداخلية و تجنب بحكمة التورط في أي صراع ادوار مع أي طرف لبناني أخر إلا في أزمات معدودة مثلت تهديدا لوجوده أو استمراره أو كوجه آخر لتوتر إيراني سوري حول الملف اللبناني,حيث أكد الحزب أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية هي هدفه الرئيس مما جنبه في مراحله الأولي أي صدامات أو ضغوط داخلية حتى انه لم يخض أي انتخابات نيابية إلا في عام 1992 . ميزت هذه العقلانية و البرجماتية تلك المرحلة في تاريخ الحزب مما كرس دوره كفاعل لبناني مؤثر يسيطر منفردا على الجنوب اللبناني .و يمكن تقسيم الدور الخارجي للحزب في تلك المرحلة لفترتين
الفترة الأولي من 1982 إلي 2000 : في هذه الفترة انحصر دور الحزب داخل لبنان و اقتصر علي بناء القدرات العسكرية و المؤسساتية للحزب بعم عسكري و تدريب من الحرس الثوري الإيراني بالإضافة للدعم المالي الذي وفره النظام الإيراني للحزب و الذي وصل وفقا لبعض التقديرات إلي 300مليون دولار سنويا(7). و خلال تلك الفترة ركز الحزب علي نشاطه العسكري ضد إسرائيل دون الانزلاق لأي صراع داخلي إلا في أضيق الحدود كصراعه مع حركة أمل أو دورة في مواجهة المقاومة الفلسطينية في لبنان كما يلاحظ في تلك الفترة غياب أية تفاعلات دولية أو إقليمية ملحوظة غير تلك التي تربطه بإيران و سوريا ,مع الحرص علي تجنب أي تصعيد مواقف مع الخصوم الإقليمين سواء من دول أثار قلقها ذلك التقدم المتنامي للحزب في صراعه مع إسرائيل كمصر و السعودية و الأردن التي تتبني خيار التسوية السلمية مع إسرائيل .دون تجاهل للشكوك التي تثيرها العلاقة الخاصة بين الحزب و إيران,أو التصعيد مع حركات مقاومة أخري سواء فلسطينية أو جماعات سنية متطرفة يقلقها البعد المذهبي للحزب مع الأخذ بالاعتبار احتكار الحزب للمقاومة في لبنان مع عدم السماح بتواجد أية حركة مقاومة أخري في الجنوب اللبناني سوي مقاومة الحزب(8).
الفترة من 2000 إلي 2003 :و هي المرحلة التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من لبنان تحت زخم الضغوط التي فرضتها عمليات المقاومة علي إسرائيل كأحد أسباب هذا الانسحاب ,و حني الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 , و يمكن وصف هذه المرحلة بمرحلة تطوير الدور الخارجي ,حيث مثل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان نقطة فارقة بالنسبة لدور الحزب باعتباره قمة النجاح العسكري و السياسي للحزب و الذي أعقبه مرحلة حصاد سياسي لثمار هذا الانسحاب باعتبار الحزب احد أهم أسباب هذه الهزيمة الإسرائيلية . برز في هذه الفترة صعود جماهيرية الحزب و شعبيته للحد الأقصى في المنطقة العربية و العالم الإسلامي مما انعكس علي قدرات الحزب التعبوية و هو ما أجاد الحزب استغلاله سياسيا و إعلاميا .ربما تعد هذه الفترة بمثابة الإرهاصات الأولي لتوجه الحزب نحو دور خارجي أوسع إلا انه من المهم أيضا الإشارة إلي أن الانسحاب الإسرائيلي كانت له حسابات أخري- تجاوزت المكاسب- وضعها حزب الله في مركز اهتمامه و هي الإشكاليات التي تعلقت بمستقبل الحزب و سلاحه بعد الانسحاب الإسرائيلي ,خاصة مع إصرار الحزب و تأكيده منذ بدايته علي أن هدفه الرئيسي هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ,فان مستقبل سلاح الحزب في مرحلة ما بعد الانسحاب فرض نفسه كسؤال شائك طرحه خصوم الحزب و كهاجس محوري أيضا للحزب و.يلاحظ انه خلال تلك الفترة حاول الحزب الحفاظ علي سياسة العزلة عن الفاعلين الإقليميين قدر الممكن إلا انه لم يستطع تجنب الانزلاق بقوة في الصراع اللبناني الداخلي كأحد أهم مكونات الخريطة السياسية اللبنانية في واقع ما بعد الانسحاب مع صدور بيانات و قرارات أممية ألمحت للحزب و سلاحه أدي هذا لاشتباك الحزب داخليا مع العديد من الأطراف اللبنانية و داعمي هذه الأطراف دوليا و عربيا ,مع الأخذ في الاعتبار قوة تلك التحولات الدولية و الإقليمية التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق التي دعت الحزب لإعادة صياغة سياسته الخارجية ككل و الانتقال إلي توثيق تحالفات و تصعيد خلافات مع خصومه الإقليمين و الدوليين كضرورة لا مفر منها للحفاظ علي استمراريته مدعوما بسلاح مقاومته.
مرحلة التغير في الدور منذ2003 وحتى الآن:
ربما كان لغزو العراق في مارس 2003- و ما صاحبه من تغيرات في خريطة المنطقة و توازناتها – أثار مهمة إقليميا ,حيث الصعود الإجباري للدور الإيراني بتعقيداته خلال و بعد الغزو و الخروج من عزلته الإقليمية التي فرضها عليه الغرب .و قد أثار هذا التطور مخاوف و قلق العديد من الأطراف الإقليمية و حتى الولايات المتحدة بدا أنها تسعي لإعادة تحجيم هذا الدور قدر الممكن في إطار الحقائق الجديدة الموجودة علي الأرض كنتيجة للغزو(9).تزامن هذا مع بداية بروز قوي لبنانية داخلية و قوى إقليمية _كما أوضحنا سابقا _بدأ يقلقها صعود حزب الله إما لاعتبارات التوازنات اللبنانية الداخلية الحساسة أو لاعتبارات إقليمية يفرضها الارتباط شبه العضوي بين الحزب و إيران,حيث تجاوزت العلاقة بين الحزب و إيران المفهوم التقليدي للتحالف أو الدعم إلي الاندماج أو التوحد رغم نفي الحزب المتكرر انه يتلقي أوامر من طهران ,إلا أن الكثيرين يروا الحزب كأحد أدوات السياسة الخارجية الإيرانية أو كأحد انجح مشاريعها الخارجية و في ادني تقدير يبقي الحزب - وفقا لبيانه التأسيسي في 16 شباط 1985 –ملتزما بقرارات المرجعية الحكيمة في إيران (10).أدت هذه التيارات التي بدأت تتشكل في الأفق لضرورة ترسيخ الحزب و توسيعه لتحالفاته في مواجهه الأطراف التي تسعي لتحجيم أرباح الواقع الراهن للحزب و من ثم إيران و هو ما أدي لحالة تصعيد ادوار كان حزب الله احد أطرافها ,حيث انه في مايو 2003 كانت قضية دور الحزب مستقبلاً محور المباحثات التي تمت بين الرئيس الإيراني و الأمين العام للحزب خلال زيارة الأخير لطهران في إشارة لكافة الأطراف بأنه لا يمكن تجاهل إيران عند أية مناقشات تتعلق بحزب الله(11) .و إن كان من الصعب رغم ذلك الجزم بان الحزب وظف مباشرة لتحقيق أهداف معلنة للسياسة الخارجية الإيرانية و إن كانت الكثير من التحليلات رأت أن كل تحرك للحزب قد حقق مصلحة لإيران ولكن تنعدم درجة اليقين لانعدام الوضوح حول هذه العلاقة.أدي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري و ما تلاه من اغتيالات في المعسكر المناوئ و المتحفظ علي سلاح و دور حزب الله إلي تصعيد الحزب لخطابه و دوره حيث أن هذه الأحداث فتحت الباب علي مصراعيه للتدخلات الخارجية في النقاش اللبناني حول الحزب و ذلك للحد الاقصي و برزت الأدوار العربية و الغربية في هذا الشأن كل وفق مصالحه و مخاوفه ,كان نتيجة هذا الزخم تزايد الضغوط الداخلية اللبنانية و الخارجية علي الوجود السوري في لبنان بغير تجاهل للعلاقة المركبة التي تربط سوريا بإيران و الحزب بالإضافة لتلميح الكثيرين لتورط سوريا في عملية الاغتيالات السياسية التي شهدتها لبنان و هو ما احتفظ الحزب إزاءه بصمت واضح, انسحبت القوات السورية من لبنان في ابريل 2005 تحت زخم الضغوط الداخلية التي دعمتها الولايات المتحدة و هو الأمر الذي انعكس بشدة علي الحزب و حساباته بعد خروج الداعم الرئيسي له في لبنان . إلا أن التصعيد بلغ أقصي درجاته خلال العدوان الإسرائيلي علي لبنان في يوليو 2006 الذي طال بضراوة البنية التحتية للبنان ,و ربما كان هذا العدوان بداية للتصعيد العلني للمواقف و المحاور و الخروج علي السرية التي حكمت تفاعلات الحزب مع القوى الخارجية في الفترة من 2000 إلى 2006. أصبحت تلك الخلافات و الصراعات حقيقة علنية و بدأت تظهر المزايدات المذهبية بشكل غير مسبوق في مواجهة إيران و الحزب و هو ما سيكون له انعكاساته علي شكل الصراع المحتمل في المستقبل القريب في المنطقة خاصة مع ما ذكر حول مشروع أمريكي لإعطاء الطابع المذهبي للصراع مع إيران(12) .ربما يجدر إيضاح انه خلال تلك الفترة تحديداً بدأت عملية رصد و استهداف دور الحزب الخارجي من قبل دول غربية و عربية حيث اتهمت كلا من بريطانيا و الولايات المتحدة حزب الله بتدريب ميليشيات موالية لإيران في العراق في 2007(13) بالإضافة لضبط العديد من عناصر الحزب في دول افريقية و دول من أمريكا اللاتينية فيما قيل انه عمليات خارجية لحزب الله لجمع التمويل و تجنيد عناصر للحزب خاصة في أوساط شيعة و لبناني الخارج و إن كانت الولايات المتحدة هي مصدر هذه الاتهامات في مجملها باستثناء ضبط عناصر نشطة للحزب في كلا من مصر و الأردن (14)فيما يؤكد زيادة تحركات الحزب في تلك الفترة خارج لبنان و خاصة ارتباطه بحماس و الجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية هو ما يثير الكثير من الملاحظات حول هذا الدور الفلسطيني الجديد حيث نقل الحزب القضية الفلسطينية إلي أولوياته بعد الانسحاب الإسرائيلي و زيادة الضغوط الداخلية و الخارجية حول سلاح الحزب ,ناهينا عن التوتر العربي الذي نتج عن هذا الربط بين الحزب و الفلسطينيين و الذي رأت فيه دول مثل مصر و الأردن محاولة إيرانية لاختراق ملف القضية الفلسطينية والذي يمثل تهديدا مباشرا للدور المصري الذي طالما كان الأبرز لاعتبارات سياسية و أمنية و إستراتيجية خاصة أن إيران كانت حاضرة بصورة علنية في الشأن الفلسطيني في الفترة الأخيرة
نتائج نهائية
ربما لم الدور الخارجي لحزب الله جديدا و لكن تلك التفاعلات التي صاحبت هذا الدور منذ العام 2000 سواء علي المستوى الإقليمي أو الدولي أعطت لهذا الدور خصوصية لما يثيره هذا الدور – مع الأخذ في الاعتبار تلك الحقائق الأولية عن نشأة الحزب و علاقاته الخارجية –من مخاوف جمة لإطراف دولية كالولايات المتحدة و بعض دول أوروبا بالإضافة لمصر و الأردن و السعودية
إن المرحلة الراهنة تشهد تحديات ضخمة تواجها التوازنات الإقليمية التقليدية في المنطقة و ربما يأتي ذلك الدور الذي يقوم به الحزب حاليا كأحد أهم هذه التحديات . ربما يجدر القول أن التغيرات في دور الحزب لم تكن بتلك الصورة التي بدت عليها مؤخرا و لكن كثافة التفاعلات الدولية و الإقليمية المحيطة بهذا الدور تلعب الدور الأكثر تأثيرا في بروز أو إبراز هذا الدور.
يتضح من ما سبق أن معطيات المرحلة الراهنة قد تتطلب من الحزب إعادة النظر في حجم ارتباطه المثير للجدل بإيران و القيام بسياسة أكثر شفافية و وضوحا ,حيث أن سعي الحزب لخلق ادوار جديدة في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ادوار تضمن له بقاءه مدعوما بسلاحه و مغطي بشرعية ما ,سيؤدي هذا بكل تأكيد بالحزب أن يأخذ في الاعتبار أن السماح بتواجده لبنانيا بهيكله و تحالفاته الحالية بمنأى عن القوي الدولية قد يصبح أمرا غاية في الصعوبة , و هو ما قد يفسر حالة التخبط و الأزمات المتوالية التي يعاني منها الحزب حاليا و التي انتهت بعجز الحزب و حلفاءه عن ضمان أغلبية نيابية في الانتخابات اللبنانية التي تمت أثناء كتابة هذا التقرير و هو ما يعني في احد أوجهه أن شعبية الحزب داخليا و إقليميا بدأت تنحصر عن ما كانت عليه منذ العام 2000 مما يستدعي الحزب لسياسة أكثر عقلانية تجاه معضلة القومي و المذهبي خاصة مع توتر العلاقات العربية الإيرانية في ظل هيمنة الولايات المتحدة لبوادر التوظيف المذهبي للصراع التي تلوح في الأفق.

المصادر
1- د.محمد السعيد إدريس , تحليل النظم الإقليمية... دراسة في أصول العلاقات الدولية الإقليمية ,مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية "القاهرة الطبعة الأولي 2001, صـ 88

2- مجموعة من الباحثين , الشرق الأوسط الجديد ,مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي :بيروت ,صـ3 علي الرابط
http://www.carnegie-mec.org/arabic/NewsDetailsAr.aspx?ID=821&MID=404&PID=355

3- بول سالم , الشرق الأوسط مراحل تطور و تفكك النظام الإقليمي ,أوراق كارنيجي "مركز كارنيجي للشرق الأوسط ,العدد 9 ,يوليو 2008 ,صـ 12

4- إبراهيم ببرم , ظاهرة حزب الله.. حزب محلي وفاعل إقليمي ,3/10/2008 علي الرابط التالي
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2663D986-7F76-40DC-ABCC-212B0B47B2F7.htm

5-- فاطمة العيساوي, حزب الله: من "ثورة الجياع" إلى القيادة في الجنوب,16/6/2005 علي الرابط التالي
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_4102000/4102118.stm

6- الخلفية الاجتماعية لحزب الله , بيروت 25/5/2000 عل الرابط التالي http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_763000/763751.stm

7- ندي عبد الصمد, لبنان ,دور إيراني متصاعد ,بيروت 27/4/2006 علي الرابط التالي http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4952000/4952796.stm

8- هيو سايكس,حقبة جديدة لحزب الله ,6/4/2004 علي الرابط التالي http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_3538000/3538923.stm

9- مجموعة من الباحثين , الشرق الأوسط الجديد ,مرجع سابق "صـ 11
10- د سعود المولي , "حزب الله" و ولاية الفقيه ,7/2/2007 علي الرابط التالي http://www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php?t=49263

11- الرئيس الإيراني يجتمع بزعيم حزب الله اللبناني , علي الرابط التالي http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_3023000/3023749.stm

12- Seymour M Hersh , The Redirection ,5/3/2007 , at the following link


http://www.newyorker.com/reporting/2007/03/05/070305fa_fact_hersh
13- واشنطن تتهم حزب الله بتدريب مسلحين عراقيين, 3/7/2007 , علي الرابط التالي
http://www.gom.com.eg/algomhuria/2007/07/03/news/detail02.shtml

14-Matthew Levitt , Hezbollah Campaigns at Home, Exposed Abroad ,5/6/2009 , at the




كتبه/ ايهاب سعد الاقصر في الاثنين 20 ابريل 2009





No comments:

Post a Comment