مما لا شك فيه ان خريطة القوى المؤثرة في منطقة الشرق الوسط شهدت تغيرات كبيرة في اعقاب ما عرف بالربيع العربي,و ان كان من المبالغة القول بان هذه الاحتجاجات حققت تغييرا جذريا في الانظمة السياسية في بلدان الربيع العربي,فانه وضح جليا ان هناك تغيرات سطحية في طبيعة الانظمة الحاكمة في هذه الدول,الا ان التغيرات لم تلمس المكونات الاساسية للنظام ,فلاتزال النخب الاقتصادية و القضائية كما هي في بلدان الربيع العربي,بناء على ذلك يمكن القول ان تغيير شخصيات الحكام و خلفياتهم السياسية لم ينعكس بصورة جذرية على انماط الحكم في هذه البلاد,او ما عبر عنه احد الناشطين في مصر ان الثورة اقلت ديكتاتور الا ان بنية الانظمة لاتزال هي نفس البنية السلطوية التي تمهد لظهور حكام ديكتاتورين اخرين و ان اختلفت خلفياتهم الايديولوجية.تتضح هذه الحقيقة بصورة كبير في الحالة المصرية,فمع وصول الاخوان المسلمين للحكم في مصر ,الا ان البلاد لم تشهد اي قرارات اصلاحية,فلم تظهر محاولات اخوانية واضحة لمواجهة الفساد او اصلاح الاجهزة الامنية او محاولة وضع القوات المسلحة تحت اشراف السلطة المدنية ,طبعا من الحقيقي ان قصر مدة حكم جماعات الاسلام السياسي يجعل من المبكر الحديث عن انجازات ملموسة , رغم ذلك فان تتابع الاحداث و مراقبة السلوك السياسي لجماعة الاخوان حتى الان , يوحي بصورة كبيرة بحقيقتين ,الاولى هي غياب المشروع الاصلاحي الواضح لدى هذه الجماعات ,فرغم امتلاء ادبيات الاخوان بالحديث عن المشروع الاصلاحي و النهضوي الاسلامي ,الا ان حالة التخبط الحالية تدعو للشك في توافر مثل هذا المشروع من الاساس.الحقيقة الثانية ,ان غياب القدرة او الرغبة في الاصلاح سيجبر هذه القوى الجديدة على تبني خيارات داخلية و خارجية تتناسب مع استمرار الفشل الداخلي للدولة اجتماعيا و اقتصاديا ,بات واضحا ان الاخوان المسلمين لديهم خطة واضحة للسيطرة على اركان الدولة المصرية , بصورة تؤكد ان الجماعة تحبذ الاستمرار بنفس نظام مبارك مع التحكم فيه , وضح ان اعترض الاخوان كان على النخبة الحاكمة التي يمثلها مبارك ,ولم يكن الاعتراض فعليا على النظام القمعي و الفاسد الذي رسخه مبارك, حتى هذه اللحظة يبدو ان وصول الاسلاميين للحكم في بلدان الربيع العربي-بالاخص مصر- لن ينعكس بصورة ملموسة على النظام الدولي على المدى القريب,فهذه النخب الجديدة مشغولة تماما بمحاولة السيطرة على انظمة الحكم القمعية التي ورثتها من الديكتاتورين السابقين.الا ان هدف هذا المقال محاولة استشراف المستقبل.ان حالة الصراع الداخلي بين الاسلاميين و القوي الاخرى مقدر لها ان تنتهي , و بشكل او اخر سينتهى هذا الصراع الداخلي بسيطرة طرف على ادوات السلطة التنفيذية في مصر,و لان بنية النظام و طبيعة تكوينه السلطوية الموروثة لم يطرأ عليه تغيير كبير ,فمن المحتمل جدا ان يقود لتهميش اخر للقوى السياسية العارضة.و على هذا فان دراسة توجهات و سلوك النخب الاسلامية في الحكم امر جوهري .
نظرا للاهمية الاستراتيجية لدولة كمصر و دورها المحوري في الشرق الاوسط ,فهناك حاجة ماسة لمراجعة بعض الفرضيات التي تحكم سلوك الولايات المتحدة تجاه جماعات الاسلام السياسي.و من اهم الفرضيات الشائعة الان و بالاخص بين مسؤلين مهمين في ادارة الرئيس اوباما .اولا فرضية ان جماعة الاخوان المسلمين و الحركات التي تتبع خطها الفكري هي جماعات معتدلة ,و ان هذه الجماعة لا تمثل الاسلام الراديكالي ,بما يحول ان تلجأ الى العنف خارجيا ,لذا فهي البديل الاوفر حظا للانظمة السلطوية السابقة (مبارك , بن علي).اما الفرضية الثانية فهي مرتبطة كليا بالفرضية الاولى,و هي ان ادماج حركات الاسلام السياسي (المعتدلة) كجماعة الاخوان المسلمين ,سيؤدي الى تحجيم دور الجماعات الجهادية العنيفة ,اما لقدرة جماعة الاخوان على مواجهة هذه الجماعات المتطرفة فكريا و تنظيميا ,لاعتبارات المرجعية الاسلامية المشتركة لكل هذه الجماعات , او لقدرة جماعة كالاخوان لجر هذه الحركات العنيفة للعمل السياسي ,او تحت مراقبتها,فيما يشبه النموذج السعودي .
No comments:
Post a Comment